![]() |
||||||||
![]() حيرة الآباء يبددها الأطباء
بقلم: محمد سعيد المولوي كان همّام ولدًا مهملاً، لا يعرفُ النظامَ فهو حينَ يأتي من المدرسةِ يذهبُ مباشرةً إلى غرفتِه فيخلع حذاءَه أمامَ بابِ غرفتِه وتكونُ فردةٌ من حذائه في جانب والفردةُ الأخرى في الجانبِ الآخر، ويلقي بمحفظة كتبه على منضدةِ دراسته ويفرغُ كتبَه بقلبِ المحفظةِ رأسًا على عقب، فتقعُ الكتبُ والدفاترُ متناثرةً، ومنها ما يقعُ على الأرضِ ويخلعُ جوربيه فيرميهما يمنةً ويسرةً، ثم يرتمي بملابس المدرسة على السريرِ، فإذا خلعها قذفها على الأريكة، وكم من مرة أنَّبته أمُّه لهذه الفوضى، وقالت له: إنّ عليه أن يخلعَ حذاءَه ويجعل جوربيه داخله، ثمَّ يضعَ الحذاءَ في خزانةِ الأحذية، وأن يدخلَ غرفتَه بهدوءٍ فيخلعَ ملابسَ المدرسةِ فيعلقها على المشجبِ ويرتدي ملابسَ الدارِ، ثم يفرغ كتبَه بانتظامٍ ويصفّها على المنضدةِ، فإذا أرادَ الراحةَ اضطجعَ على الأريكةِ.
كان همّام يستمع إلى نصائح أمه، لكنّه لا ينفذُ شيئًا منها وكان مما يزيدُ الأمر سوءًا أن همّامًا كان يخرجُ بعد العصر ِإلى الشرفةِ ويضعُ أمامه أطباقًا من النقولاتِ والفاكهةِ، ويبدأ بالأكل ورمي القشورِ على الشارعِ وأمام بابِ داره، وكان أسوأ ما في الأمرِ رمي قشورِ الموزِ والبطيخِ والتفاحِ، وكم من مرة أنّبه أبوه ولا فائدة، وطلب الأبُ من ولدِه أن يضعَ سلةَ القمامةِ إلى جانبه ويرمي بها القشورَ، فربما وقعَ بعضُ ما يرمي ![]() كان همّامٌ يضحكُ في كل مرة يحدثُه أبوه، ويقول حاضر، لكنه لا ينفّذُ شيئًا مما نصحه به أبوه. جلس همّامٌ يومًا على الشرفة، ووضع أمامَه طبقًا من الموز وهو يأكلُ مما أمامه ويرمي القشورَ من الشرفةِ على الشارعِ، حتى مضى زمنٌ من الليلِ، ثم أوى إلى سريرِه مما جعلَه يستيقظُ صباحًا متأخرًا، وقد كاد يفوتُ وقتُ دخولِ المدرسةِ، فلبس ملابسَه بسرعةٍ وحملَ محفظتَه وانطلقَ من بابِ البيتِ راكضًا وعيناه تبحثانِ عن مكانِ سيارةِ المدرسةِ، ولم يتنبه إلى الأرضِ التي كانَ قد ملأها بقشورِ الموزِ في الليلِ وهو جالسٌ على الشرفةِ وداست رجلُه على قشرةِ موزً فانزلقَ بقوةٍ ووقعَ على الأرضِ فتلقى نفسه بيده فجاءت تحته فطار صوابه من الألم. راح همّامٌ يصيحُ ويصرخُ ويستنجدُ ويبكي، وسمعت والدتُه صياحَه فأسرعت إلى البابِ لترى ابنَها ملقى على الأرضِ ونادت والدَه الذي جاء مسرعًا وحمل مع الوالدةِ الابنَ إلى الدارِ، واتصلَ بالإسعافِ الذي نقل همَّامًا إلى المستشفى، واتضح أن يد همّامٍ قد كسرت تحته، وأدخلَ غرفةَ العملياتِ، وبعد زمنٍ أخرجَ مخدرًا وقد لُفّت يده بضماداتِ الجبسِ ووضع في سرير. حين سمح الطبيب برؤية همَّام وقد صحا من المخدرِ، رأى الأبُ الابنَ وقد ربطت يده بحبلٍ معلقٍ بالسقف، حتى لا تفسد الجبيرة، وقال الدكتور إن همَّامًا سيبقى في المستشفى مدّة أسبوع، وسيبقى الجبسُ على يدِه مدة عشرين يومًا، وشكر الأبُ الطبيبَ والتفت الأبُ إلى ولدِه ودمعةٌ تجولُ في عينيه، وقال: أرأيتَ يا بُني نتيجةَ إهمالِك، فلقد وقعتَ في شرِّ أعمالكَ، إذ لم تسمعِ النصيحةَ، وتقدم من ابنِه يريد تقبيلَه فبللَ وجهه دموع ولده التي كانت تسيل على خديه، وقال الابن: إنني آسف يا والدي، وإنني أعاهدك على أني سأكون عند حسن ظنك، ولن أخالف لك أمرًا، وقال الأب: وفقك الله يا بُني ورعاكَ ومنحكَ العافيةَ. | ||||||||
![]() |
![]() |
![]() |